الفصبل الأول
ويشتمل هذا الفصل على نبذة مختصرة عن المال فى الإسلام وملكيته
والربا وأحكامه ودليل تحريمه
المال فى الاسلام
لقد جاء الاسلام بمنهج كامل للحياة الإنسانية فى مختلف مجلاتها
الروحية والمادية - وتكفلت أحكام الشريعة الغراء بما يسعد البشرية - ولهذا فإن
نظام الإسلام فى مجال المال نظام إنسانى فريد » فهو ينظر الى المال باعتباره
وسيلة للخير لاغاية فى ذاته وهذا النظام مع غايته السامية تقوم عليه دعائم
الاقتصاد الإسلامى مقرونة بالعمل الجاد الرشيد وهى السمة المميزة لقواعاد
الاقتصاد الإسلامى ومنهجه عما سواه من أنظمة اقتصادية غربية أو شرقية . ولما
كان المال عصب الحياة وعماد القوة المادية فقد عنى الإسلام بالمال ليتحقق
للمسلمين المنعة والقوة والنصر على الأعداء » من أجل ذلك عنيت أحكام
الشريعة بتفصيل أحكام المال وطرق استثماره وما فيه من حقوق وتكاليف
إيجابية وسلبية .
وتحدث القرآن الكريم عن المال فى آيات كثيرة » كما تحدثت السنة
النبوية كذلك بما يوضح أن ملكية الله جل شأنه للمال هى الملكية الأصلية
وملكية البشر للمال هى ملكية الانتفاع . يقول الله سبحانه « لله ملك
السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شىء قدير » الآية 17١ من سورة
المائدة .
كما يقول « وآتوهم من مال الله الذى آناكم » الآية "1 من سورة الثور .
الحديد .
وهذا الاستخلاف يشير الى ملكية البشر للمال وأنها ملكية انتفاع
وتصرف .
وقد جاء القرآن أيضا بما يفيد اضافة هذه الملكية على نحو ما أشرنا
لهم الجنة » الآية 1١١١ من سورة التوبة كما يقول سبحانه « وفى أموالهم حق
للسائل والمحروم » الآية 14 من سورة الذاريات .
وقد أضيف المال_ فى هذه الآيات الى البشر لكن هذه الإضافة
كما أوضحنا آنفا لا تدل على ملكيتهم الحقيقية للمال » + بل هى ملكية لحق
الانتفاع بهذا المال واستثماره تدعوهم للمحافظة عليه والقيام على تنميت
وبذلك تتحقق الخلافة ويعمر الكون .
وعلى هذا الأساس الإسلامى فى ملكية المال بين الله والبشر يتحقق
الخير للمجتمع فلا يطغى المال الإنسان ولا يكون مصدر قوة مستبدة وظلم لأن
المال مال الله وهو فى يد الإنسان أمانة أوعارية مستردة وان الله سيحاسب
الإنسان يوم الدين عن تصرفه فيه وعما إذا كان قد أنفقه فى الأوجه المشروعة أم
أساء استعماله .
وهذا المنهج الإسلامى فى ملكية المال منهج فريد متميز يخالف
الرأسمالية المستبدة التى تجعل المال كل شىء وتطلق العنان لمالكه يتصرف
فيه كيف يشاء دون حساب أورقيب .
كما يخالف المنهج الإسلامى كذلك الشيوعية المارقة التى لا تعترف
بالملكية الخاصة ولا بوجود الخالق المنعم بالملكية المتفضل بجلاثل النعم ٠
ومن هذا المنطلق الإسلامى بشأن المال كانت أحكام الشريعة الغراء
المنظمة لاستثماره استثمارا حلالا بعيدا عن الربا المحرم وكل ما كان موصلا
الى الربا أو أكل أموال الناس بالباطل وسنذكر فيما يلى نبذة مختصرة عن الريا
ودليل تحريمه وحكمة التحريم .
هو فى اللغة مطلق الزيادة من ربا الشىء يربو إذا زاد . وهو فى الشرع
الفضل الخالى عن العوض المشروط فى القرض والسلف وفى بيع الأموال
بلا عوض مشروط لأحد العاقدين فى دين أو معاوضة والزائد فى بيع الأموال
على نحو ما ذكر . فالربا يطلق على نفس المقدار الزائد على المدفوع فى
القرض والسلف » كما يطلق أيضا على فعل الزيادة أى مباشرة عقد الريا وهو
المعنى المصدرى الذى هو فعل المكلف اذ يقول الله جل شأنه « وأحل الله
البيع وحرم الربا » أى حرم الله تعالى أن يزاد فى القرض والسلف على المقدار
المدفوع وأن فى بيع الأموال الربوية بجنسها قدرا ليس مثله فى الآخر وهذا
هو المناسب لإضافة الحكم إليه لان أفعال المكلفين وتصرفاتهم هى التى تتعلق
بها الأحكام .
ويتقسم الربا الى قسمين :
أولا : ربا الديون :
وهو الربا الذى كان العرب فى جاهليتهم يتعاملون به فى صوره
بحجة الوداع بقوله ( ألا إن كل ربا موضوع وأن أول ربا أضعه ربا العباس
ابن عبد المطلب. ثم قال: لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون
ولا تظلمون ) . ويسميه بعض الفقهاء أيضا ربا النسيئة أو الربا المحرم
بالقران وقد كان العرب فى الجاهلية اذا اقترض أحدهم من أخيه مالا إلى
أجل ثم حل الاجل قال الدائن للمدين إما أن تقضى وإما أن تربى - فإما أن
يقضيه وإما أن يؤجله ويزيده مبلغا على رأس ماله وهذا النوع من الربا كان
شائعا فى الجاهلية » وقد نزل القرآن بتحريمه كما حرمته السنة المطهرة
وأجمع المسلمون على تحريمة .
فى الأصناف الستة المعروفة الواردة فى الحديث المشهور وهو قول
الرسول يِل « الحنطة بالحنطة مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا والشعير
بالشعير مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا والتمر بالتمر مثلا بمثل يدا بيد
والفضل ربا والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا والفضة بالفضة
ربا » . وفى رواية بن الصامت بعد أن ذكر رسول الله كَلةِ الأصناف
الستة المذكورة قال : فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شتتم إذا كان
يذا بيد .
وعلى هذا ينقسم ربا البيوع الى قسمين :
( ) ربا الفضل ويتحقق ببيع أحد الاصناف الستة الربوية بجنسه مع زيادة أحد
البدلين على الآخر .
( ) ربا النشّاء ويكون فى بيع الأموال الربوية بجنسها أوبغير جنسها مما
يتحد معها فى العلة عند تأجيل القبض فى أحد البدلين مع استثناء بيع
السلم وبعض صور ذكرها الفقهاء لاختلاف آلة الوزن
تقسيم الربا عند ابن القيم :
هذا ويقسم ابن القيم الربا الى نوعين » الجلى والخفى - فيقول فى
كتاب الاعلام ص 7619# ج ؟ مانصه:
« الربا نوعان جلى وخفى - فالجلى حرم لما فيه من الضرر العظيم
والخفى حرم لأنه ذريعة الى الجلى - ويستمر فيقول :
فأما الجلى :
أن تقضى وإما أن تربى فيؤخر قضاء دينه من أجل عسرته ويزيده فى الماك
وكلما أخره زاده فى المال حتى تصير الماثة عنده آلافا - وفى الغالب لا يفعل
ذلك إلا معدم محتاج » فاذا رأى أن المستحق للدين يصبر عليه بزيادة يبذلها له
بذلها ليفتدى من أسر المطالية والحبس فيشتد ضرره وتعظم مصيبته ويعلوه
الدين حتى يستغرق. جميع موجوده فيربو المال على المحتاج من غير نفع
يحصل له أوعوض يقبضه ويزيد مال المرابى فيأكل مال أخيه بالباطل فمن
متعاطيه بحرب من الله ورسوله ولم يجىء مثل هذا الوعيد فى كبيرة غيره ولهذا
كان من أكبر الكباثر .
وأما الخفى :
فهوربا الفضل ( فى البيوع ) فتحريمه من باب سد الذرائع فمنعوا منه لما
يخاف عليهم من ربا النسيثة ( الجلى ) ذلك أنهم إذا باعوا دراهم بدراهم أكثر
منها تدرجوا بالربح المعجل الى الربح المؤخر وهوعين ربا النسيئة . . ثم
يستمر العلامة ابن القيم فى بيان حكمة الشارع فى تحريم هذا النوع فيقول فى
نفس المرجع ص 167 - « فمن حكمة الشارع أن سد هذه الذريعة
ومنعهم من بيع درهم بدرهمين نقدا ونسيثة وهذه حكمة معقولة تسد عليهم باب
المفسدة وسر المسألة أنهم منعوا من التجارة فى الأثمان أى النقود بجنسها
فى الجنس والجنسين وربا الفضل فى الجنس الواحد ؛ وأن تحريم هذا تحريم
المقاصد وتحريم الآخر (ربا الفضل ) تحريم الوسائل وسد الذرائع .
دليل تحريم الربا وحكمة تحريمه
لقد كان تحريم الربا على مراحل سنشير اليها فيما يلى - ومن المفيد هنا
أن نذكر المنهج التشريعى للقرآن الكريم حينما يكون بصدد محاربة بعض
الرذائل التقى تأصلت فى المجتمع وتوارث الأجيال العمل بها خلفا عن سلف
فى أحقاب متطاولة .
فقد سار القرآن الكريم فى معالجته لهذه العادات والأعراف الفاسدة على
مبدأ التدرج فى التشريع ولم يأخذها بالعنف أوفاجأً المجتمع بتحريمها
بل تلطف فى السير بالمجتمع إلى ما فيه صلاحة من التشريع على مراحل حتى
يصل به إلى الغاية المرجوة وهذه المراحل هى :
١( ) فى مكة نزل قول الله تعالى « وما آتيتم من ربا ليربوا فى أموال الناس فلا
يربوا عند الله . وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فاولئك هم
المضعفون » سورة الروم الآية رقم 38 وهذه الآية موعظة سلبية
الربا لاثواب عليه عند الله وأن الزكاة خير منه وفى هذا ايقاظ للنفوس
وتنبيه لها الى الجهة التى يقع عليها اختيار الشارع الحكيم ٠
( 7 ) المرحلة الثانية : كانت درسا وعبرة قصها الله علينا من سيرة اليهود الذين
حرم الله عليهم الربا وعاقبهم بمعصيتهم . قال الله تعالى « فبظلم من
وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين
منهم عذابا أليما» سورة النساء 156+ 2151
وهذه العبرة لا تقع موقعها إلا إذا كان من ورائها ضرب من تحريم
الربا على المسلمين لكنه حتى المرحلة المذكورة كان التحريم بالتلويح
والتعريض لا بالنص الصريح ومهما يكن من أمر فان هذا الأسلوب كان
من شأنه أن يدع المسلمين فى موقف ترقب وانتظار للنهى فى هذا الشأن
وقد جاء ذلك فى المرحلة الثالثة .
(9) وفى هذه المرحلة جاء النهى عن الربا ولكنه كان نهيا جزئيا عن نوع منه
وهو الربا المضاعف والذى كان شائعا فى المجتمع آنذاك - وقد قال الله
تفلحون » واتقوا النار التى أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم
ترحمون » الآأيات 176 11١ 177 من سورة آل عمران » +
4 ) ثم كانت المرحلة الرابعة التى ختم بها التشريع فى الربا وكان النهى
الحاسم عن كل ما يزيد على رأس مال الدين حيث يقول الله جل شأنه
لا تُظِمون ولا تُظلمون ؛ وإن كان ذوعسرة م
فنظرة الى ميسرة وأن تَصَدُفُو
نفس ما كسبت وهم لا يُظلمون » الآيات من 37/8 الى 181 من سورة
هذا - وقد ورد بالسنة الأحاديث المتعددة بشأن الربا وتحريمه .
٠( ) فقد ورد عن ابن مسعود رضى الله عنه أن رسول الله كي قال « لعن الله
فلم يقتصر الأمر على تحريم الربا بالنسبة لأكله وحده . بل تعداه الى كل
من له دخل فى عقد الربا فلعن الأكل والموكل والكاتب والشاهد . وليس
المراد بالشاهد هو الذى يشهد على عقد الربا فقط بل المراد كل من
حضر مجلس العقد لأن قوله وشاهده مفرد مضاف يعم كل شاهد .
( ) كذلك ورد فى حديث عبادة بن الصامت الذى رواه مسلم بيان الأصناف
الربوية ثم ذكر فى نهاية الحديث ان الزيادة فيها ربا . حيث قال سمعت
رسول الله فَي ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر
والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عي
فمن زاد أو ازداد فقد أربى .
فهذه الأصناف الستة المذكورة هى التى تعارف عليها الفقهاء بأنها
بهذه الأصناف وما ألحق بها شروطا زائدة عن شروط البيع وهى ان يكون
العوضان أى المبيع والثمن مقبوضان فى مجلس آلعقد وأن يكونا متماثلين
أى مصابين .
الدعامة الاقتصادية التى انبنى عليها تحريم الربا :
لو أننا نظرنا إلى التحريم من الناحية الاقتصادية لوجدنا هناك بعض الناس
يقولون أن الربح الذى يحصل عليه المقترض من عمله فى المال الذى اقترضة
من البنوك الربوية انما ينشأ ذلك الربح من التزاوج بين العمل ورأس الما
المقترض . فكيف تخولون للعمل حقا فى الربح ولا تخولون للمال حقه فيه مع
والجواب عن هذه الشبهة يخلص فيما يلى :
نعم ان الربح ليس ثمرة عنصر واحد بل هو ثمرة عنصرين متزاوجين
فذلك حت لاشبهة فيه . غير أن أصحاب الشبهة المثارة بشأن ربح المال
المقترض قد فاتهم شىء جوهرى هام وهو أنه بمجرد عقد القرض أصبح العمل
ورأس المال فى يد شخص واحد ولم يبق للمقرض أية علاقة بذلك المال ٠ بل
صار المقترض هو الذى يتولى
حتى أن المال إذا تلف أو هلك فانما يهلك أو يتلف على ملك المقترض ؛ فاذا
أصررنا على إشراك المقرض فى الربح الناشىء وجب علينا أن نشركه فى
الوقت نفسه فى الخسارة النازلة إذ كل حت يقابله واجب « الخراج بالضمان »
ومن له الغنم عليه الغرم وموقف المودع فى البنوك الربوية ليس كذلك إذ قد
حدد له الربح مسبقا وضمن له البنك ماله ولاشأن له بما قد يحصل من
خسارة .
وعلى هذا لا يصح أن نجعل الميزان يتحرك من جانب واحد فنعطى
للمقرض ( المودع) الربح المحدد مسبقا والضمان لأمواله ثم نقول إن ما أخذه
ن نتيجة لتزاوج ماله مع العمل » أما اذا قبلنا إشراك رب المال فى الربح
وعدم ضمان العامل للمال الا إذا قصر فى الحفظ أو أساء الاستعمال أوخالف